responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 286
قَصَرَ لِيُفِيدَ ادِّعَاءَ نَفْيِ الْإِفْسَادِ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَقَدْ يُفِيدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ يَنْتَظِمُ فِي عِدَادِ الْمُصْلِحِينَ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُفْسِدِ عُرْفًا أَنْ لَا يَكُونَ مُصْلِحًا إِذِ الْإِفْسَادُ هَيِّنُ الْحُصُولِ وَإِنَّمَا يَصُدُّ عَنْهُ الْوَازِعُ فَإِذَا خَلَعَ الْمَرْءُ عَنْهُ الْوَازِعَ وَأَخَذَ فِي الْإِفْسَادِ هَانَ عَلَيْهِ الْإِفْسَادُ ثُمَّ تَكَرَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ سَجِيَّةً وَدَأْبًا لَا يَكَادُ يُفَارِقُ مَوْصُوفَهُ.
وَحَرْفُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ إِعْلَانًا لِوَصْفِهِمْ بِالْإِفْسَادِ.
وَقَدْ أَكَّدَ قَصْرَ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ أَيْضًا- كَمَا أَكَّدَ بِهِ الْقَصْرَ فِي قَوْلِهِ:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْبَقَرَة: 5] كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَدُخُولُ (إِنَّ) عَلَى الْجُمْلَةِ وَقَرْنُهَا بِأَلَا الْمُفِيدَةِ لِلتَّنْبِيهِ وَذَلِكَ مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَتَقْوِيَتِهِ دَلَالَةً عَلَى سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ أَدَوَاتِ الِاسْتِفْتَاحِ مِثْلَ أَلَا وَأَمَا لَمَّا كَانَ شَأْنُهَا أَنْ يُنَبَّهَ بِهَا السَّامِعُونَ دَلَّتْ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ وَإِشَاعَتِهِ وَإِعْلَانِهِ، فَلَا جَرَمَ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَبْلَغِيَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرُ مِنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَدُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى كَمَالِ ظُهُورِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ لِلْعِيَانِ لِأَنَّ أَدَوَاتِ التَّنْبِيهِ شَارَكَتْ أَسْمَاءَ الْإِشَارَةِ فِي تَنْبِيهِ الْمُخَاطَبِ.
وَقَوْلُهُ: وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ مَحْمَلُهُ مَحْمَلُ قَوْلِهِ تَعَالَى قَبْلَهُ: وَمَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الْبَقَرَة: 9] فَإِنَّ أَفْعَالَهُمُ الَّتِي يَبْتَهِجُونَ بِهَا وَيَزْعُمُونَهَا مُنْتَهَى الْحِذْقِ وَالْفِطْنَةِ وَخِدْمَةِ الْمصلحَة الْخَالِصَة آئلة إِلَى فَسَادٍ عَامٍّ لَا مَحَالَةَ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَهْتَدُوا إِلَى ذَلِكَ لِخَفَائِهِ وَلِلْغِشَاوَةِ الَّتِي أُلْقِيَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ أَثَرِ النِّفَاقِ وَمُخَالَطَةِ عُظَمَاءِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ حَالَ الْقَرِينِ وَسَخَافَةَ الْمَذْهَبِ تَطْمِسُ عَلَى الْعُقُولِ النَّيِّرَةِ وَتَخِفُّ بِالْأَحْلَامِ الرَّاجِحَةِ حَتَّى تَرَى حَسَنًا مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ. وَمَوْقِعُ حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ هُنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ دَفْعٌ لِمَا أَثْبَتُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْخُلُوصِ لِلْإِصْلَاحِ، فَرَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِحَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ.
[13]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ.
هُوَ مِنْ تَمَامِ الْمَقُولِ قَبْلَهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِالْعَطْفِ وَالْقَائِلِ، وَيَجُوزُ هُنَا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا طَائِفَةً مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُشِيرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِقْلَاعِ عَنِ النِّفَاقِ لِأَنَّهُمْ ضَجِرُوهُ وَسَئِمُوا كُلَفَهُ
وَمُتَّقَيَاتِهِ، وَكَلَّتْ أَذْهَانُهُمْ مِنَ ابْتِكَارِ الْحِيَلِ وَاخْتِلَاقِ الْخَطَلِ. وَحَذْفُ مَفْعُولِ آمِنُوا اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِالتَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَما آمَنَ النَّاسُ أَوْ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلسَّامِعِينَ. وَقَوْلُهُ: كَما آمَنَ النَّاسُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست